

Wed, 09 Apr 2025
Who is Atma?
Abdul Latif Jameel and Community Jameel have launched the "A World of Stories" campaign to support young Saudi writers in publishing their works. Through this campaign, we aim to contribute to raising community awareness of the importance of literature in our lives, as well as highlighting the beauty and flexibility of the Arabic language, and its ability to accommodate a variety of topics, including science fiction, which requires a rich vocabulary and rich expressions. This initiative, in collaboration with "Alf Kalima," aims to encourage creativity in the Arabic language.
قصة من كتابة: د. آية محمد تنبكجي
خرجتُ مسرعةً محاولة أن أصل على موعدي دون تأخير، إلا أن باب الشقة المجاورة لمنزلي استوقفني عندما رأيته مفتوحاً، فهذا الباب لم يُفتح منذ أن اختفت ساكنته قبل عامين! تنبعث من الداخل رائحة غريبة، دخان وصوت همهمة لم أفهم منها شيئاً. أدركتُ أنني أقف فاغرة فمي عندما لوحت لي بيدها امرأة، بزي الساري الهندي، ذات شعر أسود طويل تتخلله خصلات بيضاء. تقدمت نحوي وقالت: "مرحباً، أنا آتما، الساكنة الجديدة."
- "أ..أهلا بك، تتحدثين العربية! أنا سلمى، أسكن في الشقة المجاورة."
نظرت إلى عينيّ مباشرةً لثوانٍ وقالت: "سنلتقي كثيراً."
بلسان متلعثم سألتها عن مصدر الرائحة الغريبة.
- "إنه بخور المسك، أحاول عن طريقه إطلاق بركة الأرواح الطيبة، فالأرواح الشريرة تسكن البيوت التي يتخلى عنها البشر، تقتات على مخلفاتهم وذكرياتهم التي تركوها خلفهم."
لا أؤمن بهذه المعتقدات، فلم أكترث للأمر. رحبتُ بها في الجوار وذهبت إلى بيتي. انتابني شعورٌ غريب بأن شيئاً ما سيتغير بعد الآن، ولن يقتصر الأمر على الروائح النفاذة وحسب.
صباح اليوم التالي، يوم عطلتي، أيقظني صوت جرس الباب. لا يجرؤ من يعرفني على إزعاجي في وقت كهذا! حاولت تجاهل الطرق المتكرر على الباب لكن الوقت لم يثني الطارق عن هدفه!
فتحت الباب بعنف، ووجهي يكسوه النعاس والغضب. ها هي ذي، السيدة آتما، صدقت توقعاتي بأنها لن تدعني وشأني.
دخلت إلى بيتي واتجهت مباشرة نحو الشبابيك لتفتح الستائر. لم أكن مستعدة بعد لمواجهة أشعة الشمس، فغطيت وجهي بيدي وثار غضبي من جديد. سألتها عن سبب مجيئها لكنها لم تجبني وراحت تتنقل بين الغرف بأريحية وكأنها تعرف المكان جيداً، تنشر البخور في كل زاوية وتتمتم بلغتها بصوتٍ منخفض. بقيت مكاني أراقب تصرفاتها الغريبة وأنتظر تفسيراً لما تفعل.
تجاهلت وجودي لخمس دقائق ثم اتجهت نحوي ووضعت يدها على قلبي وقالت: "تملكين روحاً طيبة يا سلمى، لكنها ضعيفة. احذري من الأرواح الشريرة التي تحيط بك، فهي تتربص لأي لحظة ضعف تمرين بها."
تركتني آتما أفكر بكلماتها وخرجت.
في تلك الليلة استيقظت فزعةً على صوت صراخٍ وبكاءٍ يخرج من بيت آتما. استجمعت قواي وخرجت لأرى ما الأمر. طرقت الباب بقوة، وبسرعة فتحت آتما الباب وكأنها تنتظرني، وبتلك الملامح الهادئة ذاتها سألتني: "ما الأمر يا سلمى؟ هل أصابك مكروهٌ ما؟"
-
"جئت للإطمئنان عليك، أعتقد أنني سمعتك تبكين."
-
"لا داعي للقلق، عودي إلى نومك فأنا بخير كما ترين."
وكأن عودتي إلى النوم أمرٌ سهلٌ بعد ما حدث! تكرر صوت بكاء آتما أكثر من مرة، لكنني لم أذهب لرؤيتها مرةً أخرى.
كانت ليلةً مريبة، لم أستطع النوم فيها بهدوء، فصوت آتما والخوف أبقياني متيقظة. خرجت من المنزل ما إن أشرقت شمس صباح اليوم التالي، فاستوقفني رمز غريب مرسوم على عتبة باب آتما، وردة وبداخلها عين تدمع. لم أتأمله لوقت طويل، ربما خوفاً من رؤية آتما!
على الحالة نفسها استمر بكاء آتما لليالٍ أخرى، إلا أنني لم أرها ثانية، فقد كنت أتعمد خروجي في وقت مبكر تجنباً لمصادفتها.
بعد مضي أسبوع، عُدتُ مساءً إلى منزلي لأجد آتما بانتظاري عند الباب: "لم لا تشاركيني وجبة العشاء يا سلمى؟"
وافقت بتردد، فرغم غرابة تصرفاتها والخوف الذي بدأ ينتابني منذ مجيئها إلا أن ابتسامتها الهادئة لا تترك لي الخيار في الإعتراض على أفعالها أو طلباتها.
نزعتْ القلادة التي كانت تُحيط بعنقها ومررتها لي. كانت القلادة تحمل صورةً لرجلٍ وفتاةٍ شابة، تلك الفتاة كانت غولاب، جارتي التي كانت تسكن في هذه الشقة! نظرت إلى آتما بارتباك شديد، فبدأت بالتفسير: "هذا هو زوجي وتلك هي ابنتي، أعتقد بأنك تعرفينها، فابنتي غولاب كانت تسكنُ هنا. كانت حادثة وفاتها صدمة كبيرة لي ولزوجي. لم نصدق أن غولاب، الفتاة الشابة ستنهي حياتها بنفسها دون سبب. تنقلت بين مدن عدة وكانت محطتها الأخيرة هنا قبل أن تعود إلى بيت العائلة لتقتل نفسها في المكان الذي ولدت فيه. بعد وفاتها بعامٍ تقريباً، بدأت مع زوجي بتتبع مسار حياة غولاب، لعلنا نعرف السبب الذي دفعها إلى النهاية."
توقفت عن الكلام للحظات والدموع تملأ عينيها. لم أعرف كيف يمكن لي أن أواسيها، فلقد كان خبر موت غولاب صادماً لي أيضاً، ولم يكن في تصرفاتها ما يدل على نواياها. كنا قد تقاربنا بشكل كبير خلال فترة سكنها هنا، وحاولت كثيراً الاتصال بها بعد اختفائها المفاجئ لكنها لم تجب على أي من إتصالاتي. لم أكن لأصدق أن غولاب، تلك الفتاة الطيبة المحبة، قد أنهت حياتها بيدها! كنت أشعر بالسعادة برفقتها، متوقعة بأن الأيام ستقوي العلاقة بيننا، لكنني ومع الأسف لمْ أحظَ بهذهِ الصداقة. حاولتُ حبسَ دموعي كي لا أزيد حزن آتما.
-
"آتما بالهندية تعني الروح. أطلقت والدتي عليّ هذا الاسم بعد أن اكتشفت مقدرتي، منذ صغري، على رؤية الأرواح والتواصل معها. لم أتوقع يوماً أن أستخدم هذه الهبة لمعرفة سبب وفاة ابنتي. بما أنك كنت مقربة من ابنتي وعشتي معها هنا، فأنا بحاجة لمساعدتك يا سلمى في معرفة الأسباب التي دفعت بغولاب إلى الإنتحار. سأنتظرك هنا غداً عند غروب الشمس."
في اليوم التالي وعلى الموعد المتفق عليه ذهبت إلى بيت آتما لأعرف كيف لي أن أساعدها في مهمتها. كانت الشموع تنتشر في كل مكان والرائحة ذاتها تغمر المنزل. رحبت بي آتما وأجلستني على الوسادة المقابلة لها، وقالت: "كنت قد سألتني عن مصدر الرائحة الغريبة في البخور الذي أستعمله، وقد أخبرتك حينها أنه بخور المسك. في الحقيقة هو لم يكن بخور المسك وحسب، إنما هو مسك ممزوج برفات إبنتي، فأنا أحتاج لوجودها معي لكي أستطيع معرفة ما مرت به هنا."
بالرغم من معرفتي بأن حرق الأموات هي إحدى طقوسهم، إلا أن استنشاق رائحة رماد غولاب مع البخور أثار خوفي وغثياني. أمسكتْ يدي وطلبت مني أن أغمض عيني إلى أن تتركها، وبدأت تتلكم بالهندية. لم أفهم مما تقول سوى اسم غولاب. كُنتُ خائفةً في بداية الأمر، إلا أن الخوف استحال إلى دهشة عندما شعرت بأنني أرى غولاب! كانت تبتسم بسعادة وهي تفرغ ما في حقائبها في خزانة غرفة نومها في هذا المنزل. بدأت أشعر بأن المنزل يدور وأصوات كثيرة تحيط بنا، منها صوت غولاب وصوتي! لم يكن ما نقوله مفهوماً لكنني أسمع بوضوح صوت ضحكاتنا. ثم عدت لأرى غولاب تمسك بورقة بين يديها، لكنها كانت تبكي هذه المرة، لم أرى غولاب تبكي طيلة معرفتي بها!
شدت آتما على يدي وأخذ صوتها يعلو ودقاتُ قلبي تتسارع. أغمضتُ عيني بقوة، فبدأت أرى ما هو مكتوب على تلك الورقة، اتضح لي أنها تحمل إسم مستشفى. انخفض صوت آتما رويداً رويداً حتى اختفت غولاب، ثم تركت يدي. أشعلت آتما ضوء الغرفة وفتحت عيني ببطء، أخذت كأس الماء من يدها لأروي عطشي الشديد ثم سألتني: "هل تعرفين عنوان المستشفى المذكور في الورقة التي كانت تحملها غولاب؟"
رهبة ما جرى لا زالت تمنعني من الكلام، فأومأت لها بنعم.
-
"أرجو أن تأخذيني إليها غداً، فلابد لي أن أعرف ما كان مكتوباً في تلك الورقة، من الواضح أن ما فيها هو التفسير الذي أبحث عنه."